أما الدعاء والاستغفار للمسلمين أو للمؤمنين المقيد فهو ما ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيما له علاقة بالميت، وهو في ثلاث حالات:
الحالة الأولى: الصلاة على الميت.
والحالة الثانية: القيام على القبر.
والحالة الثالثة: زيارة القبر.
فهذه الثلاث الحالات ينتفع الميت بالدعاء والاستغفار له -إن شاء الله تعالى- بأي دعاء عام، ولكن هناك صيغاً خاصة تتعلق بالميت في الحالات الثلاث، فالحالة الأولى هي الصلاة على الميت، والصلاة على الميت ثابتة ومشروعة، وهي -والحمد لله- معلومة من دين الإسلام بالضرورة، وفيها نفع للمصلين ونفع للمصلى عليه، أما نفع المصلين فهو الأجر العظيم الذي ينالونه، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ( من صلّى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط، فإن تبعها فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: أصغرهما مثل أحد ) .
فهذا فضل عظيم يناله المصلي.
وأما المصلى عليه فينال الشفاعة، كما جاء في الحديث الصحيح: ( ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه )
وصيغة الدعاء الثابتة في الصلاة على الميت هي: (اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا)، وفيها النص على الاستغفار، وهذا يحصل -إن شاء الله- به المقصود، وهو تكفير الذنب ودفع العقوبة.
والصيغة الأخرى: (اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، وأبدله داراً خيراً من داره، وزوجاً خيراً من زوجه ...)، وإذا تحقق هذا الدعاء فقد نجا بإذن الله تعالى وإن كان من أصحاب الوعيد، وسنذكر -إن شاء الله- أن المقصود بهذا هم أصحاب الوعيد، أي: أصحاب الكبائر.
والحالة الثانية: حالة القيام على القبر، وقد جمع الله تبارك وتعالى بين الحالتين في قوله: (( وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ))[التوبة:84]، وقد ثبت فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم ( قام على قبر رجل وقال: اسألوا له الثبات؛ فإنه الآن يسأل ).
وقصة قيام النبي صلى الله عليه وسلم على قبر عبد الله بن أبي ابن سلول وما جادله به عمر رضي الله عنه في ذلك مشهورة، وهي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى وقام على قبره، وبعد ذلك نزلت هذه الآية، وهذا كله يأتي - إن شاء الله تعالى- تفصيله فيما بعد.
الحالة الثالثة: هي زيارة القبور، وهذه -والحمد لله- ثابتة ومتفق عليها بين أهل السنة والجماعة ، وعلى أن المزور ينتفع، أما منفعة الزائر فهي أيضاً واضحة، وهي الاعتبار والاتعاظ، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( فزوروها فإنها تذكركم الآخرة )، وأما المزور فينتفع بزيارة إخوانه المسلمين، كما جاء في الحديث لما زار النبي صلى الله عليه وسلم أهل البقيع فقال: ( اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد ) فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمغفرة، وهذا يدل على أنه لو كان فيهم صاحب كبيرة فإن هذا الدعاء مستجاب في حقه، وينتفع به بإذن الله تعالى، فيكون الوعيد في حقه منتفياً، ويكون هذا من موانع حصول الوعيد.